a7med
مشرف قسم
عدد المساهمات : 1434 تاريخ التسجيل : 15/01/2011
| موضوع: شرح حديث "من عادى لي وليا..." الإثنين سبتمبر 26, 2011 2:29 pm | |
| شرح حديث "من عادى لي وليا..."
شرح الشيخ د, عبد الكريم الخضير/ مقتطف من شرح جوامع الأخبار
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن: يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه)) [رواه البخاري]. هذا الحديث حديث أبي هريرة في حق الأولياء في مالهم عند الله -جل وعلا-، وفي أوصافهم، وهذا الحديث عند أهل العلم يسمى القدسي، الحديث الإلهي، الحديث الرباني؛ لأنه مضاف إلى الله -جل وعلا-، يقول: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) والولي: هو الذي يتقرب بالفرائض ويتبعها بالنوافل، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، والمؤمنون كلهم أولياء لله، فليحذر المسلم من معاداة ولي الله؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) إذا عادى المؤمن المطيع لربه المجتنب عن محارم الله المتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل فقد آذنته بالحرب، والعداوة قد تكون قلبية، ولا شك أن سبب هذا خلل إما في قلب الشخص وعدلاً من سلامته، أو فساد في تصوره وإلا فكيف يعادي المسلم أخاه المسلم بغير جريرة وبغير عداوةٍ منه أو اعتداءٍ عليه؟ باعث على هذه العداوة إما فساد في قلب الشخص أو خلل في تصوره، أو وجود حسد، ولا شك أن بعض الناس يعتدي على غيره حسداً، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [(54) سورة النساء] وإلا فكيف تتصور شخص مطيع لله -جل وعلا- مؤدي ما افترض الله عليه، مجتنب لما نهى الله عنه فتعتدي عليه في يدك أو في لسانك وتعاديه وتهجره لغير سبب؟ فلينته المسلم لا سيما طالب العلم أن يعادي الأولياء بسبب لأنه إذا كان هناك سبب يقتضي العداء فإنه ليس بولي، إذا كان هناك سبب حقيقي يقتضي العداء فمثل هذا ليس بولي، على أن المسلم لا سيما من كانت عنده موافقة ومخالفة، تجده مطيع لله -جل وعلا-، مؤدي الفرائض، مجتنب لبعض المحرمات، مرتكب لبعضها، مثل هذا يحب بقدر ما عنده من إيمان، بقدر ما عنده من إسلام، بقدر ما عنده من طاعات؛ لكنه يبغض بقدر ما عنده من مخالفات ومعاصي، يجتمع في المسلم موافقة ومخالفة. ((فقد آذنته بالحرب)) ومن لديه قدرة على مبارزة الله -جل وعلا- بالحرب؟ وجاء في آكل الربا {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}[(279) سورة البقرة] ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إليّ مما افترضته عليه)) لا شك أن أداء الواجبات واجتناب المحرمات أولى من الانشغال بالمستحبات، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) يعني على الإنسان أن يؤدي ما افترض الله عليه، فإذا حصل فيها خلل غير مقصود وتنفل الإنسان بعدها جبر النافلة هذا الخلل، أما أن يعنى بالنوافل وهو مخل مصر على الخلل في الفرائض يخل بالفرائض عن قصد يقول: نكملها بالنوافل، ((وما تقرب إليّ عبدي أحب إلي مما افترضته عليه)) هنا مسألة يحتاجها كثير من الإخوان المشايخ وطلاب العلم، تجد بعضهم باذل في وجوه الخير والنفع لكن هذا البذل له أثر في عمله الأصلي الذي استؤجر عليه ووجب عليه، تجد مثلاً مدرس مقصر في التدريس الواجب وعنده في آخر النهار حلقة تحفيظ، أو أستاذ في جامعة أو في غيره عنده دروس لكنه يتخلف عن المحاضرات الواجبة عليه، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) عليه أن يؤدي هذا الواجب الذي يأخذ مقابله أجرة، ثم إذا تنفل بما زاد على ذلك نور على نور، وبعضهم يتسامح في مثل هذا الأمر، ويقول: ما دام العمل الثاني يحقق الهدف الذي من أجله استؤجر على العمل الأصلي هذا يجبر هذا، وعلى كل حال كل له نظرته؛ لكن ينبغي العناية بما أوجب الله عليك، احرص على أن تؤدي ما أنيط بك من عمل، وأخذت عليه أجرة كاملاً، وما زاد على ذلك لك أجره -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال على الإنسان أن يؤدي ما اؤتمن عليه، وما استؤجر من أجله، وعليه أيضاً أن يبذل، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) لكن هل الشخص الباذل الذي يبذل قدر زائد على ما أوجب عليه، هذا إذا حصل خلل فيما أوجب عليه يجبر بهذه النوافل، كما أن الصلوات المفروضة تجبر بالرواتب؛ لكن الإشكال إذا قال: أنا من أهل التحري والتثبت وأؤدي العمل الواجب، ولا أستطيع أن أتنفل، ويحرم من النفع العام الذي يؤديه إلى غيره، يحرم الناس بسبب أنه يريد أن يتحرر، ويؤدي الواجب، ويخشى أن يكون هذا العمل المندوب له أثر على الواجب فيحرم من ما يكمل هذا الواجب، فعلى الإنسان أن يحرص على الواجب ويؤدي المستحب. ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) يتقرب بالنوافل: وأعظم النوافل طلب العلم، طلب العلم ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، هذا أعظم وأفضل من نوافل العبادة، فعلى الإنسان أن يحرص عليه ويتقرب بوجوه الخير الأخرى اللازمة والمتعدية من صلاةٍ وزكاةٍ وصيام وحج وعمرة، ونفع لإخوانه المسلمين، وإعانة للمحتاجين، وسعي في قضاء حوائجهم، ((وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)) وفي هذا إثبات المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)) وإذا كان الله -جل وعلا- سمع الإنسان فإنه لن يسمع إلا ما ينفعه في أموره ودنياه، وسوف يحمي سمعه عن سماع المحرم من غيبة ونميمة وأغاني وفحش وإسفاف ((وبصره الذي يبصر به)) وقل مثل هذا فيما يرى، فإذا أحب الله -جل وعلا- العبد حماه عن مزاولة المنكرات المسموعة والمرئية، وكنت يده التي يبطش بها، فلا يمد يده إلا إلى شيءٍ مشروع، أو على أقل الأحوال مباح ((ورجله التي يمشي بها)) فلا يمشي إلا إلى عبادة أو إلى شيءٍ مباح يستعين به على عبادته، ((ولئن سألني لأعطينه)) ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ((ولئن سألني لأعطينه)) لأن من حافظ على الواجبات، وتقرب بالنوافل عصمه الله -جل وعلا- عن المحرمات، لا سيما ما يدخل في جوفه من مأكولٍ ومشروبٍ، وما يلبسه على بدنه مما يقتضي رد الدعوة، فمثل هذا إذا عصم من الأكل الحرام، وشرب الحرام، وغذاء الحرام، وكسوة الحرام، مثل هذا يكون مجاب الدعوة؛ لأن من موانع الدعوة هذه الأمور، مزاولة المحرمات، ذكر الرجل ((يطيل السفر، أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) لكن هذا الولي ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني...)) سألني شيء ينفعه في دينه ودنياه لأعطينه، وإن استعاذني من شيء يضره في دينه ودنياه لأعيذنه. ((وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه)) إذا وجد أمر ينتابه أمران، أمر يحث عليه، وشيء يحذر منه، يحصل هنا التردد، هل يفعل أو يترك؟ يفعل نظراً إلى ما يحث عليه، يترك نظراً إلى ما يحذر وينفر منه؟ هذا بالنسبة لتردد المخلوق، تردد المخلوق في شيء لما ينتابه مما يأمره بالإقدام ويعارضه من الإحجام، هذا يورث التردد بالنسبة للمخلوق، وهذا الباعث على تردد المخلوق؛ لكن بالنسبة للخالق؟ هذا التردد يليق به -جل وعلا- ما لا يشبه تردد المخلوق، ويكره عبده الولي الموت فالله -جل وعلا- يكره قبض روحه؛ لأن الموت يسوء هذا الولي؛ لكنه أمر مكتوب محتوم عليه لا بد من وقوعه، فلا بد من نفاذه حينئذٍ.
شرح الشيخ د, عبد الكريم الخضير/ مقتطف من شرح جوامع الأخبار
| |
|