كانت تقف فى المكان المعتاد أن يتقابلوا فية .. و ما أن
رأها حتى تعجب و أبتسم بدهشة و أخذ ينظر لها غير مصدق أنها هى بنظرتها
البريئة و عيناها التى يملائها الشوق و الحنية , و ما ان أقترب منها حتى
نظر لها فى صمت يملئة الكلام لمدة ثوانى ... بينما هى تنظر فى عينة بشوق
الى الكلام الذى تقرأة من نظراتة , و ما أن طالت المدة حتى و جهت عيناها فى
جهة أخرى خجلا ثم كسرت الصمت بسؤال هز روحة و كيانة :
- إزيك يا رامز؟
حاول أن يهدئ من روعة و لكن لم يتمكن من الكلام ... فقط مد يدة لها بالسلام
, خجلها جعلها تتردد و لكن شوقها جعلها تضم يدها فى يدة و تشاركوا أحساس
واحد بالشوق و نشوة اللقاء بعد فراق.
لم يتمكن رامز من أن يبدأ كلامة سوى : - يااااااا
أبتسمت و أغمضت عيناها لمدة ثانية و نصف لتتمكن من السيطرة على المشاعر
المختلطة بداخلها .... كم كان يعشق رامز هذة الحركة فقال و الأبتسامة ما
زالت على وجهة:
- لسة زى ما انتى يا نور
و كانت دقائق تحمل الكثير من الكلام فى صمت , بينما هم يسيرون فى نفس
الطريق الذين أعتادوا أن يسيروا فية ... شعرت برعشة يدة الخفيفة عندما نظر
لها و وجد شفق الغروب الهادئ ينعكس على وجهها و هى تقول:
- هدية مقبولة منك
رد بإبتسامة الفرح : - كان نفسى أشوفك اليوم دة و أنا أديكى عمرى كلة ولا يغلى عليكى.
- هديتك وصلتنى و بجد جميلة أوى
بإبتسامة تعجب : - وصلتك إزاى ؟!! ... أنا معرفتش أوصلك!
فتحت كفها الأخر الذى يحمل (ميدالية) فضية على شكل قلب .... تعجب رامز :
- بس الميدالية دى اللى أنتى أهدتينى بيها .. الحاجة الوحيدة اللى من ريحتك .. وصلتلك إزاى؟!
ضحكت نورا بكل برأة على دهشة رامز ... و رامز لا يزال يحاول أن يدرك الأمر
... و لكن تحولت ملامحة الى الجدية و توقف عن سيرة و توقفت نورة أيضا
متعجبة : - فى إية؟!
أشار رامز بالسبابة أمامة : - تعرفى الراجل دة؟!!!!
نظرت نورا أتجاة سبابة رامز لتجدة الرجل طويل القامة .. عريض المنكبين
بلحيتة البيضاء الكثيفة و جلبابة الأبيض .... و ما كان رد فعل نورا سوى قلق
و دهشة تملكتها للنخاع و هى تقول :
- أنت تعرفة منين؟!!.... أستنى ... متقولش إن إنت اللى كنت موجود ...
أكمل لها رامز الكلام بإبتسامة متوترة : - فى الملاهى؟!
أقبل الرجل عليهم وهو يبتسم و يقول بمزاح :
- أنت ماسك إيدها كدة إزاى؟! ... أنت ناسى إنها متجوزة يا أخينا؟!
تشاركوا نورا و رامز أحاسيس مختلطة لا أسم لها جعلتهم ينظرون الى بعض ثم
أعادوا نظرهم الى الرجل مرة أخرى .. و هنا سأل رامز: - أنت مين يا حاج؟!
أجاب الرجل بأسلوبة الطريف وهو يصطنع الخشونة بملامحة و صوتة : - أنا جوزها يا ولد!
لم يتمكن رامز من أتخاذ أى رد فعل سوى الصمت و شعر بتوتر نورا التى زادت ضربات قلبها.
ضحك الرجل و قال : - مالكم خايفين كدة لية؟... ميخافش إلا اللى بيعمل حاجة غلط !
رامز بإنفعال : و مين اللى قالك إنى خايف منك ... إن كنت جن ولا إنس ... أنت عايز مننا إية؟!!
أبتسم الشيخ بملامح طيبة كالأب الحنون و وجة نظرة الى نورا متسائل:
- وصلتك هديتك؟!
أجابت نورا بحركة رأسها فى صمت و قلق .
زادت أبتسامتة و قال بلين : - كل سنة و أنتى طيبة يا نورا ..... مش عايزك تقلق يا رامز!
- أقلق من إية؟
- على هديتك .. لأنها وصلت!
- إنت تقصد إية؟
إبتسم الشيخ فى ثقة : - هتعرف لما ..... تصحى!
تردد صدى هذة الجملة فى أذن رامز و تحول العالم حولة الى ظلام دامس .. و فى
لحظة فتح رامز عينة ليجد نفسة فى فراشة و قلبة يتزايد دقاتة و يتنفس بسرعة
و كأنة كان فى سباق ركض.
كان الظلام مازال .. و سمع صوت أذان الفجر يتردد فى كل مكان , قام مسرعا و أضاء غرفتة
و أخذ يفحص ملابسة بحثا عن (ميدالية القلب الفضى) حيث كان يضعها فى قميصة الذى كان يقابل بة نورا .. و لكن ....... لم يجدها!
بدأ يبحث كالمجنون فى كل غرفتة وفى كل ركن فيها و لكن .. دون جدوى ... و ما
أن يأس حتى وقف فى منتصف غرفتة و يتسأل بصوت مسموع و يردد :
- معناة إية الكلام دة؟! ... معناة إية الكلام دة؟!!
أقبل الشتاء معلنا عن حضورة بأولى قطرات أمطارة ,
كعادتها منذ الصغر أسرعت نورا الى الشرفة لتستقبل قطرات المطر الباردة التى
تملئ الرياح بعطر النشوة .
و لكن فى هذة السنة تغيرت الكثير من الأحوال .. فهذا الشتاء يحمل الكثير من
ذكريات الشتاء الماضى و هذة القطرات التى تراها هدية من السماء الى الأرض
جعلت إبتسامة بريئة على وجهها و بدأت عيناها المتأملة ترتكز فى السماء و
كأنها ترى أمامها أجمل الذكريات التى حدثت فى مثل هذا الوقت من العام
السابق.
تردد صوتة فى أذنها بالكلمات و الحديث الطويل الذى كان ينتهى بصعوبة بينهم
.. أرتسمت فى عيناها اللحظات و الدقائق التى كانت تجمعهم ... ترددت نبرات
صوتة التى كانت تحمل الشوق و اللهفة فى بداية الحديث .. وكلامة المماطل
عندما تقترب نهايتة.
رأت أمامها عاشق مجنون و أب حنون و أخ من دمها و أبن يحمل طبعها و روح
تنتمى لها , فتحت يدها لتتأمل هذة الميدالية الفضية المجسمة على شكل القلب
... هذة الميدالية التى أهدتها لة و عادت لها مرة أخرى فى عيد ميلادها
السابق بطريقة لا تدركها حتى الأن!!
نظرت نورا الى السماء و شعرت بنشوة و أحاسيس رائعة رسمت على وجهها أبتسامة
مشرقة ... قطعت هذة الحالة الأنسجامية خطوات ناهد الأخت الأصغر لنورا , و
ما أن شعرت بها حتى أخفت القلب فى قبضتها.
أقبلت عليها ناهد بإبتسامة و نظرة ماكرة و هى تقول :
- بتخبى إية؟!
هربت نورا بعيناها من هذة النظرات و هى تردد :
- لالا أبدا .. مفيش حاجة
- على أختك الكلام دة ... عموما لامعة الفضة فضحتك!
قالت نورا مبررة :
- أنا كنت بدور على حاجة فى الشنطة و لقيتة ..
- و بعدين؟!
أحمر وجهة نورا:
- و ... و بس!
تغيرت ملامح ناهد:
تصدقى يا نورا أنا زعلت منك دلوقتى ... مش عشان كدبتى عليا فى حكاية الشنطة
.. بس عشان بتخبى القلب منى .. أومال لو مكنتش أنا اللى جبتهولك يوم ما
وقع منة فى عيد ميلادك!!
تنهدت نورا محاولة أن تتماسك و قالت بجدية :
- رامز أخويا يا ناهد و أنا بعزة و أنتى عارفاة و عارفة هو أد إية شخص محترم.
قالت ناهد بنظرتها الماكرة:
- ما هو دلوقتى أخوكى ... بس قبل ما تتجوزى كان إية؟
لم تجد نورا أى أجابة سوى الصمت لمدة ثوانى و تابعت ناهد:
- بصى يا نورا إحنا طول عمرنا بنكلم بعض بدون كسوف ولا خجل و سرنا مع بعض
.. ممكن يكون رامز دلوقتى أخوكى عشان أنتى مش من طبعك الخيانة و عايزة
تصونى جوزك ... بس السؤال الأهم .. .هل فعلا رامز من جواكى أخوكى و بس؟!
قالت نورا منفعلة : - ناهد أنتى عايزة توصلى لإية؟
ناهد بأسلوب لين : - أنا مقصدش حاجة ... بس أنا لحد دلوقتى فى عنيا نظراتة
ليكى يوم فرحك كانت عاملة إزاى .. و إنة يحضر فرحك ليها ألف معنى و معنى!
- إنة يحضر فرحى يا ناهد دة أكبر دليل على أننا أخوات.
- أو أنك وحشتية و كان عايز يشوفك ولو حتى كان الثمن إنة يتقطع من جواة من صعوبة الموقف و دة اللى كان باين فى عنية.
أرتسمت ملامح الحزن على وجهة نورا : - طب عشان خاطرى نقفل الموضوع دة وبلاش نتكلم فية تانى.
- حاضر يا نورا بس خلى بالك من (وليد) جوزك ومن اللى فى بطنك .. و ليد
محترم و شايلك فوق دماغة و كلها أسابيع إن شاء الله و هيكون بينكم طفل ... و
أنا أوعدك إنى مش هجيب سيرة رامز ولا حاجة تخصة ... حتى لو أتصل تانى!
لا أرادى نظرت لها نورا بلهفة : - أتصل بيكى أمتى؟
دوت ضحكة ناهد فى الغرفة قائلة : - لا أنا وعدتك إنى مش هجيب سيرتة تانى.
كانت نورا تحاول أن تدارى أحراجها من نظرات ناهد :
- لا مقصدش .. يعنى أقصد .. هو أتصل بيكى ... يعنى .. لسة بتكلموا بعض .. فى حاجة يعنى؟!
أبتسمت ناهد و هزت رأسها و نظرت الى أعلى متعجبة ثم أعادت عيناها فى عين نورا :
- أتصل بأمك على تليفون البيت .. على أساس إنة بيطمن علينا و كدة .. الغريبة إن أمك بتعزة أوى!
- رامز بيعتبرنا أهلة .. و أنتى عارفة أد إية هو محترم و جدع و إلا أمك مكنتش سمحت لة أنة يتصل.
مازالت الأبتسامة على وجهة ناهد التى أستقرت عيناها الى الأسفل و غاصت بذهنها الى ألاف التساؤلات و التأملات باحثة عن أجابات!
*******************************
فى كافية فى سان ستيفانو (الأسكندرية) كان يجلس كريم و أمامة فتاة تنظر لة نظرات رومانسية هادئة بينما هو يتكلم بهدؤ و رقة شديدة :
- عارفة يا مريان أنا لما شفتك فى الكنيسة أول مرة حسيت أد إية انتى مختلفة
... رقة و جمال و تدين , و لقيت نفسى مشغول بيكى .. كل ما أغمض عنيا أشوف
نظراتك و ألاقى قلبى أتخطف .. مريان .. أنا كنت عايز أقولك حاجة!
نظرة بلهفة و هى تقول : - قول يا كريم و أنا سمعاك
- مريان و المسيح الحى أنا حياتى أتغيرت لما قابلتك و حسيت أنى ...
قاطعة رنة الهاتف ... تنهد كريم بضيق وهو يضع يدة على الهاتف .. و تحول
الضيق الى غضب عندما رأى أسم والدة : - معلش ثوانى هرد على أبويا .... أيوة
يا حاج!
نظرت لة مريان رافعة حاجبها الأيسر متعجبة!
- معلش يا بابا التليفون كان فاصل شحن ... نشكر ربنا أنا بخير ... حاضر أنا
ورايا شغل الأسبوع دة هخلصة و أجيلك ... ماشى يا حاج الرب يسوع يحفظك.
أنهى كريم المكالمة و نظرت لة مريان و تحولت إبتسامتة الى دهشة لما وجدة من
ملامح التعجب على وجهها التى جعلتها تنظر لة ببلاهة و فاتحة فمها !
- مالك يا مريان فيكى إية؟!!
- أنت كنت بتكلم مين؟!
- دة أبويا!
- الحاج .. يبقى أبوك؟!
ضحك كريم : - أهااااا ... لالالا دى لهجتى معاة و أتعودت أقولة يا حاج متاخديش فى بالك
- أنت هتجننى يا كريم قريب
(سبل) كريم بعينة قائلا : - طب ما أنتى مجننانى من يوم ما عرفتك و أنا
بحاول أنى أشوفك .. أو حتى أسمع نبرة من صوتك .. مريان أنا عايز أقولك إنى
...
قاطعة صوت الهاتف مرة أخرى الذى أمسكة بأنفعال قائلا:
- دول متفقين عليا ولا إية ؟! ..... و أنت عايز إية ياسى رامز دلوقتى .... ألو!
رامز بإنفعال شديد: - أيوة يا كريم أنت فين؟
- أنا فى مشوار كدة ... مالك يا أبنى أنت بتتخانق؟
- هو أنا لو بتخانق هتصل بيك يا كريم هجيبك عشان أحميك؟!!
- أومال مالك يا عم الخفة فيك إية؟
- قولى بس أنت فين الأول؟
- أنا فى سان ستيفانو
- أة .. يبقى أكيد فى الكافية اللى بتظبط فية الضحايا بتوعك ... يا أبنى حرام عليك!
- ماشى يا شيخ رامز .. أنجز وقولى فى إية؟
نظرت لة مريان بريبة و نظرة حادة .... ألقى رامز كلماتة بصيغة الأمر :
- كريم أدامك تلت أو نص ساعة بالكتير و تكون أدامى أنا فى البيت.
- ماينفعش يا رامز أنا ....
- كريم الموضوع خطير ... أنا مستنيك .. ولو ملقتنيش فى البيت يبقى أنا بصلى العصر فى الجامع اللى جنب بيتنا .
- أنهى جامع؟!
- الجامع الصغير اللى أنت شفتنى خارج منة قبل كدة أنت نسيتة؟
- أاااة .. أيوة خلاص ماشى يا عم رامز أما نشوف فى إية ... سلام
نظر كريم الى مريان وهز رأسة مبتسم : - مالك يا حبيبتى ... مكشرة لية؟
مريان بحدة زائدة : - كريم ممكن أشوف بطاقتك؟!!!